ن أن الفلاسفة والعلماء الإجتماعيين والإستراتيجيين العسكريين قد أفاضوا منذالقدم حول تناول مفهوم القوة واختلفوا في تعريفه إلا أن الإختلافات القائمة بينهملم تكن جوهرية بالقدر الكبير، وذلك بالنسبة للأغراض العلمية التي تختلف كثيراً فيطبيعتها عن المداولات الأكاديمية؛ على قدر أهمية الأخيرة .
والقوة ( Power ) هيببساطة القدرة على التأثير على الآخرين وإخضاعهم لإرادة القوي الفاعل، لذلكفالأقوياء في أي موقف اجتماعي كان أم سياسي أم اقتصادي أم ثقافي هم الذين يفرضونإرادتهم وكلمتهم ويسيرون الأمور كما يرونها ووفقاً لمصالحهم الخاصة.
تعتبر قوةالدولة من العوامل التي يعلق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلكبالنظر إلى أن هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور، الذي تقوم به الدولة في المجتمعالدولي وتحدد إطار علاقاتها بالقوى الخارجية في البيئة الدولية (1) وبطبيعة الحاللا يعني ذلك أن الدولة القوية والتي تسير الأمور وفقاً لمصالحها ورغباتها دولة سيئةأو أنانية أو مفسدة في الأرض، فالسوء والأنانية والإفساد؛ أمور مستقلة عن القوة،ودليل على ذلك قول الرسول محمد صلي الله عليه وسلم " المؤمن القوي خير وأحب إلىالله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير" ومن ثمَ فإن العامل المحدد لأخلاقية القوة هواستخدامها في الخير والإعمار دون إلحاق الضرر بمصالح الآخرين .
مفهوم القوةتجاوز في مضمونه الفكري المعنى العسكري الشائع إلى مضمون حضاري أوسع ليشمل القوةالسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتقنية ... الخ. ولكن أياً من مصادرالقوة مهما تعددت لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجرد وجوده، وإنما يرتبط هذا الوزنوالتأثير بالقدرة على التدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحة إلى طاقة مؤثرةوسلاح فعال، فالقوة ( Strength ) هي مجرد إمتلاك مصادر القوة كالموارد والقدراتالاقتصادية والعسكرية والسكان وغيرها، أما القدرة (Power)فتنصرف إلى إمكانية تحويلهذه المصادر إلى عنصر ضغط وتأثير في إرادات الآخرين .
تعريف القوة لغةً:
ورد في المعجم الوسيط أن القوة هي ضد الضعف وهي الطاقة،وهي تمكن الإنسان من أداء الأعمال الشاقة، وهي المؤثر الذي يغير أو يحيل حالة سكونالجسم، وهي مبعث النشاط والحركة والنمو وجمعها قوى، ورجل شديد القوى أي شديد وقويفي نفسه وقوَّى دعم ووطَّد، كما نجد أن القوي والقادر والمقتدر من أسماء اللهالحسنى، تأتي القوة بمعنى الجد في الأمر وصدق العزيمة، وقد وردت القوة في القرآنالكريم في كثير من الآيات، وعلى سبيل المثال " وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة "(2)أيأعدوا لهم جميع أنواع القوة المادية والمعنوية (3) " خذوا ما أتيناكم بقوة (4) أيبحـزم وعزم (5) "لو أن لي بكم قوة أو أوي إلى ركن شديد " (6) أي لو كان لي قوةأستطيع أن أدفع أذاكم بها أو الجأ إلى عشيرة وأنصار تنصرني عليكم (7) .
والقوةهي لغة كل العصور وهي أحد المفردات الهامة التي يتوقف عندها المفكرون في كافة أنحاءالأرض وبمختلف لغاتهم، حيث تبين أن معناها يكاد يكون واحد في كل اللغات حيث يدور فيإطار مفهوم القدرة على الفعل والإستطاعة والطاقة وهي ضد الضعف وتعني أيضاً التأثيروالنفوذ والسلطة .
تعريف القوة إصطلاحاً:
يعرف علم الإجتماع القوة "بالقدرةعلى إحداث أمر معين" و"تأثير فرد أو جماعة عن طريق ما على سلوك الآخرين"، يعتبرموضوع القوة من المواضيع التي يهتم بها علم الجغرافية السياسية والعلاقات الدوليةلذا جاء تعريف وتفسير مفهوم القوة للكثير من الكتاب والمفكرين في هذا الإطار.
وفي رأي كارل فريدريك فإن أفضل تعريف للقوة هي القدرة على إنشاء علاقة تبعيةفعند القول أن لإنسان ما قوة سياسية تفوق قوى الآخرين، فهذا يعني أن الآخرين يتبعوننظام أفضلياته، والقوة ليست مجرد التسلط ولكنها تتضمن أيضاً القدرة على الإستمالةوالنفوذ لدى الآخرين، ويرى أنه بالاسـتخدام الماهر والذكي للقوة يمكن للطـرف (أ) أنيجعل الطـرف (ب) يفعل ما يريد دون قهـر أو إرغام بمعنى يمكن تحويل القهـر إلى إتفاقوتزامن كنفـوذ جماعات الضـغط في المجتمعات المتحضرة(8).
ويرى سبيكمان أن القوةتعني البقاء على قيد الحياة والقدرة على فرض إرادة الشخص على الآخرين والمقدرةأيضاً على إملاء هذه الإرادة على أولئك الذين لا قوة لهم وإمكانية إجبار الآخرينذوي القوة الأقل على تقديم تنازلات(9) .
ويرى كل من ميكافيلي وهوبز ومورغنثوهعلى أن القوة هي الوسيلة والغاية النهاية التي تعمل الدولة للوصول إليها في مجالالعلاقات الدولية .
ولقد بلور علماء الجيوبولتيكا مفهوم القوة وكأنه مرادفلمفهوم السيطرة فلقد بين راتزل بأن الدولة كائن حي يحتاج إلى النمو والتطور حتى لوكان عن طريق القوة. ويعتبر علماء السياسة أن مفهوم القوى هو المفهوم الرئيسي في علمالسياسة بل ومن المفاهيم الرئيسية في العلوم الإجتماعية كلها ومن ناحية أخرى فإنالسياسة ترتبط بشكل وثيق مع القوى . كما أن البحث عن القوة يميز السياسة عن الأنواعالأخرى من النشاط الإنساني(10) .
في عالم السياسة توجد ثلاثة إتجاهات لتعريف القوة :
الإتجاه الأول: يعرفالقوة بأنها القدرة على التأثير في الغير وهي القدرة على حمل الآخرين للتصرف بطريقةتضيف إلى مصالح مالك القوة .
الإتجاه الثاني: يعرف القوة بأنها المشاركةالفعالة في صنع القرارات المهمة في المجتمع.
الإتجاه الثالث: يحاول أن يجمع بينالإتجاهين السابقين ويعـرف القوة بأنها التحكم والسيطرة المباشرة أو غير المباشرةلشخص معين أو جماعة معينة على أوجه إثارة القضايا السياسية أو عملية توزيع القيموما يترتب عليه من مقدرة في تقرير أو تأثير في الموقف في الإتجاه الذي يفضله صاحبالقوة(11) .
أما كلية الحرب الأمريكية فتعرف مفهوم القوة القومية للدولة بأنهاالإمكانية أو القدرة التي يمكن أن تستخدمها الدولة للوصول إلى أهدافها القومية فيالصراع الدولي، إذن فالقوة هي الطاقة العامة للدولة لكي تسيطر وتتحكم في تصرفاتالآخرين (12) .
في الفكر الإستراتيجي يقصد بقوة الدولة فاعلية الدولة ووزنها فيالمجال الدولي الناتجان عن قدرتها على توظيف مصادر القوة المتاحة لديها في فرضإرادتها وتحقيق أهدافها ومصالحها القومية والتأثير في إرادة الدول الأخرى ومصالحهاوأهدافها. وقوة الدولة بهذا المعنى تتحدد في ضوء عنصرين مصادر القوة ثم عملية إدارةوتوظيف تلك المصادر، لذا فإن أياً من مصادر القوة لا يكتسب وزناً وتأثيراً بمجردوجوده وإنما يرتبط هذا الوزن والتأثير بالتدخل الواعي لتحويل مصادر القوة المتاحةإلى طاقة مؤثرة وسلاح فعال.
المفاهيم المرتبطة بمفهوم القوة
يتداخل مفهوم القوة مع عدة مفاهيم أخرى مثلالسلطة والنفوذ والقهر والتأثير والإرغام والردع والإرهاب والإغراء، وهي تستخدمكمترادفات وكعناصر لتحليل القوة .
السلطة: هي الوجه الأول للقوة السياسيةوالسلطة بصفة عامة هي قوة ذات طابع نظامي حيث تكون القوة مرتبطة بمنصب أو وظيفةمعينة معترف بها داخل المجتمع ويعطي لشاغلها حق إصدار القرارات ذات صفة الإلزام الشرعي بالنسبة للآخرين، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع: سلطة قانونية وتقليديةوكاريزماتية .
النفوذ السياسي: هو الوجه الثاني للقوة السياسية وهي ممارسة عنطريق تفاعل إجتماعي تستخدم فيه وسائل الإغراء والترهيب والإقناع والسيطرة والهيمنةوالإرغام والإكراه، وتوجد أشكال متعددة من النفوذ تتراوح ما بين الترغيب والإستمالةوالإقتناع إلى السيطرة والهيمنة والردع والإكراه((13) .
القهــر: هو أي قوة أو تهديد يقلل من حرية الحركة، بما يجعل التصرفات تتم بحريةأقل مما كان يمكن أنَّ تكون عليه، وهناك بعض المفكـرين يميزون بين التأثير والقـوةوالقهـر، والقهر شكل من أشـكال القوة التي تواجه المجبر بالقـدرة على إلحاق الضرربه بغض النظر عن الموقف الذي يتخذه .
التأثير: يعد مفهوم التأثير مفهوماً محورياً في الدراسات السياسية حيث يميز بعضالمحللين بينه وبين مفهوم القوة عن طريق تضيقه بحيث لا يشمل إلا الوسائل غيرالمباشرة أو غير الملموسة لتغيير السلوك. أما البعض الآخر فيعتبر أن القوة ما هيإلا شكل من أشكال التأثير (14)، وقد يكون التأثير قسرياً أو غير قسري .
الهيمنة: يدل مفهوم الهيمنة على تأثير دولة على دولة أو دول أخرى ويصف سياساتالقوة التي تردع بها جيرانها المعتمدين عليها بالتهديد من أجل إجبارهم علىالاستسلام .
السيطرة: يدل مفهوم السيطرة على ممارسة دولة لها نفوذ وقوة لنفوذ فعلي على دولةأخرى أو إقليم معين، وهذا النفوذ قد يأخذ شكل تحالف أو علاقة تبعية، وهو ينتج عنالتفاوت في القوة بين الدول وبعضها البعض .
الردع: يتميز الردع بوجود إستراتيجية للتهديد بالعقاب، أي إقناع الخصم بأنالتصرف غير المرغوب فيه سوف يكبده من الخسائر أكثر بكثير مما قد يترتب عليه منمكاسب، ويجب أن يكون الردع مصداقياً، وأحياناً تكمن القوة في إغراء طرف أخربالمكافأة .
الإكراه: شكل من أشكال التأثير وللإكراه صور متعددة إقتصادية وإجتماعية، سياسيةوإن التهديد بإستخدام القوة أو الإستخدام الفعلي للقوة العسكرية هو شكل من أشكالالقوة ويرتبط بمفاهيم القوة والتأثير والسلطة.
وهناك تميز بين القدرة والقوة فالقدرة هي معطي موضوعي وهي موارد متاحة أما القوةفهي ممارسة عملية وهي التوظيف السياسي لتلك الموارد، وإن النقلة من إمتلاك المواردإلى إستخدامها أي من القدرة إلى القوة، يتطلب إرادة سياسية ودور للعقل البشري، وفيكثير من الحالات التاريخية نجد أن الحروب قد تحددت ليس بميزان القدرات والإمكانوحسب ولكن أيضاً بإرادة التصميم والعزم والمثابرة وتلعب القيادة السياسية الحاكمةوالثقافة السياسية السائدة دوراً حاسماً وهاماً في هذا المجال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق